جدة ونمرة- ذكريات بين مدينة كبيرة وقرية صغيرة

المؤلف: أحمد الشمراني09.30.2025
جدة ونمرة- ذكريات بين مدينة كبيرة وقرية صغيرة

• الأيام تمضي والذكريات تترسخ، فمن أين ننطلق في استحضار الماضي؟ هل من تلك القرية التي شهدت بواكير طفولتي، أم من المدينة التي أغدقت عليّ بكرمها ومنحتني جلّ ما أملك؟

• يا لها من قرية وادعة! ما زالت راسخة في ذاكرتي كما كانت، لم يغيرها الزمن لا في مظهرها ولا في جوهرها، وهناك يكمن سحر الأصالة وعراقتها.

• أما جدة، حاضرة البحر الأحمر التي أقطنها وأتنفس عبيرها، فهي تأسرني بجمالها الأخاذ وجاذبيتها الساحرة، فكيف لا وهي القصيدة التي تغنى بها كل شاعر وطأت قدماه شواطئها وتأمل في زرقة مياهها؟

• «لو أقول الشعر جدة ما كذبت»، هكذا خطّ البدر كلماته الرائعة، وصدح بها فنان العرب محمد عبده.

• أعشق شعر الأمير بدر بن عبدالمحسن، ويهيم قلبي بصوت محمد عبده الشجي، وأعشق النادي الأهلي بجنون، فمن يضاهيني في هذا الغرام ليتقدم وينافسني.

• ينتشي سمعي حينما أستمع إلى فنان العرب وهو يطلق آهاته بصوته الجهوري الفخم «آه.. آه.. آه»، ثم يعود بنا بعد تلك الآهات ليأخذنا في رحلة وجدانية إلى «يا جمرة الشوق الخفي.. ‏نسيت أنا وجرحك وفي».

• ثم تأخذني أمواج الشجن إلى وادي العطر الفواح، في تصوير بديع يربط الماضي بالحاضر، من خلال سؤال عميق طرحه البدر: «من أي وادي العطر.. من أي شمس النور.. ولا الشجن من أي شارع»؟

• يزداد اشتياقي لتلك القرية الحالمة، ويبلغ ذروته عندما أتذكر ذلك الحلم الصغير المتواضع.. والجدار المبني من طين، والحصير البسيط الذي كنا نجلس عليه.

• نمرة، تلك القرية التي تحولت إلى مدينة نابضة بالحياة، تعيش اليوم حالة من التمرد الإيجابي على كل القرى المجاورة لها، بمعنى أنها لم تستسلم للظروف القاسية، بل أثبتت جدارتها وتميزها، وقدم موقعها الاستراتيجي كأجمل وأكمل موقع على الإطلاق.

• لقد أصبحت نمرة مدينة عصرية، بل عاصمة تجارية مزدهرة، وهنا يتجلى التفوق والريادة، ولكنها لا تزال بحاجة ماسة إلى من يعزز هذا التطور بخدمات متكاملة، حتى تكتمل النهضة وتتساوى فيها جميع الجوانب.

• يسألني أحد الأصدقاء بتعجب: لماذا هذا الإسهاب في الحديث عن محافظة العرضيات؟ وهل ستصل الرسالة المنشودة؟ فأجبت بكل صدق: لم أسهب يا صديقي، فهي جزء لا يتجزأ مني، وأنا جزء أصيل منها، والتذكير بها وباحتياجاتها ونواقصها واجب أخلاقي ومهني ألتزم به، وأحلم بصدق وأتمنى أن تجد رسائلي طريقها إلى المعنيين.

• وأنت تنطلق جنوباً، ستأسرك الرحلة الساحرة إلى وادي قنونا، تلك الواجهة السياحية الخلابة التي لم تستغل بعد بالشكل الأمثل والمطلوب، ولا ندري حقيقةً هل التقصير من المستثمرين ورجال الأعمال، أم من وزارة السياحة الموقرة التي أتمنى أن تولي هذا الوادي الفاتن نظرة اهتمام وعناية خاصة.

• في ليلة من ليالي الشوق المتوهجة، همست لها ولبلدتها:

جاني مثل حلمٍ تمنيت شوفه

وجيته مثل غيمٍ تباريه الأمطار..

• ما أجمل أن تعبر عن ذاتك بصدق وعفوية، بعيداً عن القيود والالتزام بفكرة محددة أو التقيد بعبارات منمقة، والأجمل من ذلك أن تكون "هي" محور القصيدة والقبلة التي أضعها على جبين القصيدة "نمرة".

• ومضة:

أعـاند الوقت وجروحي اخبيها

ما ودي الناس تقرا الحزن بعيوني

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة